READ THIS IN ENGLISH
فيما يتواصل تفشي وباء "كوفيد-19" يتعين على السّلطات اتخاذ تدابيرًا صارمةً للسّيطرة على انتشار الفيروس وحماية المجموعات الأكثر عرضةً للإصابة بالمرض.
واضطرّت المدن التي كانت تنبض بالحياة في أجزاءٍ مختلفةٍ من العالم إلى الإقفال العام. وبالرّغم من أن انتشار الفيروس يسلّط الضّوء على أوجه اللّامساواة في الحصول على الخدمات الأساسية ويثير تحدياتٍ مختلفةٍ للمجتمعات الهشّة التي لا تستطيع حتى أن تتحمّل تكاليف البقاء في المنزل، إلا أن الإقفال العام كان له أيضًا فوائد غير متوقعة وتأثيرات إيجابية على أمور مختلفة، بدءًا من المناخ إلى الناس وحياتهم اليومية.
في البداية كان عزل نفسي في شقتي والتوقف عن التفاعل مع من حولي أمرًا محبطًا جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك بعد فترة تبين لي أن هذه العزلة كانت استراحةً قصيرةً أو بعبارةٍ أخرى كانت متنفَّسًا.
للوهلة الأولى، قد يبدو أن المدن خلال فترة الإقفال العام أصبحت مدنَ أشباح: شوارع مهجورة ومساحات عامة فارغة ومتاجر مغلقة في كل مكان، ولكن عندما نلقي نظرةً أعمق نلاحظ كيف ينقل الناس هذه الحياة النابضة بالحياة من مدينتهم أو بلدتهم إلى منازلهم وشرفاتهم.
لقد قضيت وقتي أثناء الإقفال العام في شقتي ومنزل عائلتي في الجبل. إنهما طبيعتان مختلفتان تمامًا ولكنهما يشتركان في نمطٍ سلوكيٍ مماثلٍ: كان الناس في كل مكان يبحثون عن بدائلٍ مناسبةٍ للتكيف مع التغيير الحاصل في أسلوب حياتهم.
في الجبل وخاصةً خلال فترة الصّباح الباكر أو بعد الظّهر المتأخر، كان معظم سكّان القرية الذين يعيشون هناك بشكل دائمٍ أو مؤقتٍ أثناء الإقفال العام (للهروب من الحجر الصحي في المدن) ينتشرون في التّلال للتنزّه أو المشي لمسافاتٍ طويلةٍ أو حتى للبحث عن أعشابٍ بريةٍ يمكنهم استخدامها في الطّبخ، وأصبحت التّلال أماكنهم العامة البديلة حيث يمكنهم الحفاظ على تباعدهم الاجتماعي والتجوّل بحرية في الطّبيعة في الوقت ذاته.
وفي المدينة، كان السّلوك مشابهًا ولكن بدلاً من الضّياع في التّلال، أعاد النّاس الحياة إلى مطابخهم وشرفاتهم. فالبعض بدأ بتجربة وصفات للطّعام، أما البعض الآخر بدأ في زراعة النّباتات أو ممارسة تمارين رياضية واتباع خطط نظام غذائي صحي. والشّرفات والأزقّة الصّغيرة أمام مبانيهم التي يمشون فيها لفتراتٍ قصيرةٍ بشكل خفي أصبحت مهمةً جدًا كأنها مهربهم الوحيد.
أعتقد أن ليس فقط "الأرض تأخذ استراحة" بل نحن أيضًا كبشر نحتاج إلى هذه الاستراحة، فلقد كنت بحاجة إلى تلك الراحة. وعلى الرّغم من أنني ما زلت أعمل عن بعد من المنزل إلا أنني حصلت على الكثير من الوقت للتّركيز على مساري المهني وتعلّم مهاراتٍ جديدةٍ أو حتى القيام بمهامٍ بسيطةٍ اعتقدت أنني لن أجد الوقت أبدًا للقيام بها. وأدركت أن نمط الحياة الذي اعتمدناه كان مرهقًا لدرجةٍ أننا نسينا التّوقف وطرح أسئلةً بسيطةً على أنفسنا مثل "متى كانت آخر مرة قلنا فيها أن لدينا وقت أو أننا لم نكن في عجلة ؟".
العمل والسّاعات الطويلة والمرهقة التي نقضيها عالقون في الازدحام المروري والتّلوث وعادة الاعتماد على الوجبات السّريعة أو وجبات التّوصيل والقضاء الكثير من الوقت في النّشاطات أو التّجمعات الاجتماعية، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والتشنج السّياسي التي تواجهها البلاد والتي تزداد سوءاً يومًا بعد يوم على سبيل المثال لا الحصر، كل تلك الأسباب المذكورة سابقًا كانت كافيةً للمساهمة في زيادة مستويات التّوتر والقلق لدينا. ولكن في بعض الأحيان من الجيد أن يكون لديك وقت للاسترخاء والتّركيز على جودة حياتنا ورفاهيتها.
قصتي مع الإقفال العام لم تكن مثاليةً دائمًا، ففي لحظات معينة بالتّأكيد شعرت بالحاجة إلى التّفاعل الاجتماعي أو الرّغبة في الخروج والتّجول في الحي ولكنني حاولت بكل جهدي أن أستيقظ كل يوم ولدي جدولٌ مليءٌ بالمهام والأنشطة.
المغزى هو أنه هناك جانبٌ جيدٌ دائمًا!!
يارا يونس ، 29 سنة ، مهندسة معمارية ، تعيش في جونيه
Photo by Ramy Kabalan on Unsplash